mardi 26 février 2019

اتحاد العمل النسائي: آن الأوان لمراجعة شاملة لمدونة الأسرة


 حياة البدري

 "اتضح بعد اعتماد مدونة الأسرة لمدة 15 عاما، أنها لم تنجح في القضاء على التمييز والحيف ضد النساء، وأن أغلب المكتسبات التي جاءت بها ذات طابع معنوي، وأصبح من الضروري إعادة النظر فيها ومراجعتها مراجعة شاملة وعميقة لضمان المساواة الفعلية بين النساء والرجال وتحقيق الحماية القانونية اللازمة للحقوق الإنسانية للنساء، والملائمة مع مقتضيات دستور2011 ومع اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل"، هذا ما خرجت به الندوة التفاعلية التي نظمها اتحاد العمل النسائي يوم السبت المنصرم بالرباط والتي عرفت نقاشا رفيع المستوى جمع مابين الفقهي والسوسيولوجي والنفساني وبين الحقوقي والقانوني والسياسي والمجتمع المدني والبحث العلمي والطلابي، وعرفت حضورا نوعيا وملفتا ، اضطر معه الحضور افتراش أرضية القاعة. 


قال أحمد الخمليشي، مديردارالحديث الحسنية بالرباط، في مداخلته بالندوة التفاعلية التي نظمها اتحاد العمل النسائي يوم 23 فبراير بالمكتبة الوطنية، تحت عنوان "من أجل قانون أسري يضمن الملائمة والمساواة"، "من الطبيعي إعادة النظر في التغيرات والفجوات التي ظهرت على مدونة الأسرة بعد مضي 15 عاما من اعتمادها".
وقالت فاطمة مغناوي في الورقة التقديمية لاتحاد العمل النسائي، أن مدونة الأسرة عند صدورها سنة 2004 شكلت نموذجا للإصلاحات الجوهرية في المغرب وقد اعتبرها اتحاد العمل النسائي مكسبا هاما للنهوض بحقوق النساء رغم ما شاب بنودها من نقائص وأنصاف الحلول نتيجة التوافقات التي واكبت إعدادها ومناقشتها بالبرلمان، وأنها بالرغم من كل هذا يمكن اعتبارها بداية لمشروع مؤسس لمجتمع المساواة الذي ناضلت الحركة النسائية من أجله، ولا تزال من أجل إقراره على أرض الواقع. 

وأجمعت عائشة لخماس، رئيسة اتحاد العمل النسائي، والمحاميتين نزهة العلوي وعائشة ألحيان، على أن تجربة تفعيل مدونة الأسرة على مدى 15 عاما، سواء من خلال أقسام قضاء الأسرة أو من خلال العمل الميداني الذي تقوم به شبكة مراكز النجدة، قد أفرزت إشكاليات كبرى تتعارض مع مبادئ المساواة، وأكدت على استمرار التمييز والحيف في عدد كبير من مقتضياتها، وأن أغلبها  ذات طابع معنوي كالمساواة بين الزوج والزوجة في رعاية الأسرة، والمساواة بينهما في بعض الحقوق والواجبات وحق المرأة الراشدة في تزويج نفسها وإعطاء الزوجين إمكانية تحرير عقد مستقل خاص بتدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية.

 وأضافت رئيسة اتحاد العمل النسائي، أن كل المكتسبات ذات الصيغة المعنوية التي جاءت بها مدونة الأسرة، لم يكن لها أي تأثير على مكانة النساء داخل مؤسسة الزواج لغياب آليات لتفعيلها، ناهيك عن وجود مواد أخرى بها، تعمل على إفراغها من مضمونها، كالولاية على الأبناء، زواج القاصرات، التعدد، إضافة إلى غموض المادة 49 والتي تتعلق بتدبير الأموال المكتسبة خلال الزواج، وما تطرحه مقتضيات الإرث من إشكالات حقيقية وعملية، لا تأخذ بعين الاعتبار التحولات التي يعرفها المجتمع والدور المحوري للنساء في اقتصاد الأسر، الشيء الذي أصبح يتطلب بإلحاح معالجة شاملة وعميقة للمدونة في كل جوانبها.

وفي نفس السياق، قال السوسيولوجي عبد الصمد الديالمي بخصوص النفقة، يجب اعتبار قيام النساء بالأعمال المنزلية ، نوعا من النفقة أيضا، لأن الشرع لا يلزم المرأة بهذا، ومن ثمة فالزوج إذن ينفق بماله وهي تنفق بساعدها، مبرزا على أننا لا نزال في المغرب في إطار قانون أبيسي يحاول قدر المستطاع تنظيم الأسرة النووية، وهذا يشكل تناقضا كبيرا، لأن الأسرة النووية هي أسرة مساواتية، تحتاج إلى قانون مساواتي بشكل كامل.

ومن جهة أخرى، قال محمد الساسي، القيادي بحزب الاشتراكي الموحد، أن نتائج مدونة الأسرة لم تكن بما هو مأمول رغم مسار الانفتاح الذي بدأه العهد الجديد، والذي لم يؤدي إلى انتقال ديمقراطي، وأن الترسانة القانونية الخاصة بحماية النساء، قد وقع فيها تطور جوهري، لكن النتائج بقيت محدودة. مبرزا أن 63% من النساء قد تعرضن للعنف، وأنه من المفروض أن يؤدي القانون إلى تراجع نسب العنف وليس العكس. مضيفا أن دستور 2011 جاء انتصارا للمرأة، ولكن شيئا فشيئا بدأت عيوبه تظهر، وعوض أن يكون الدستور أداة لتقييد المشرع العادي، وقع العكس فأصبح هو بنفسه أداة في يد المشرع العادي.

وأضاف محمد الساسي، أن مدونة الأسرة قد عرفت ثلاث حروب، سعت إلى تبخيسها وتجاهلها. الحرب الإعلامية، والتي كانت من خلال الأغاني والاسكتشات بهدف تبخيسها ثم الحرب الثانية والتي كانت حرب تأويل، قدمت خلالها فتاوى فقهية تجاهلت مضمون مدونة الأسرة، ثم الحرب الثالثة والتي كانت قضائية بامتياز، استغلت بعض الثغرات في المدونة، لتحويل الاستثناء إلى قاعدة، وهذا ظهر بشكل كبير في زواج القاصرات، الشيء الذي أدى إلى تعطيل الشروط الموجودة في نصوص المدونة.

 وأبرز قيادي الاتحاد الاشتراكي الموحد، إلى وجود شيء ما يتحرك في جوف المجتمع، وأن قوى المحافظة تتراجع وأصولية النظام في أزمة، لأنه لم يعد قادرا على إخفاء تناقضاته، وأن المرحلة التي يمر منها المغرب الآن، تتميز بإغلاق قوس الانفتاح والديمقراطية، مؤكدا على وجوب خلق جبهة جديدة من النساء ومن الجمعيات والإطارات، للنضال من أجل دستور انتقالي يضمن بعض البنود المتقدمة في مدونة الأسرة ويصل إلى حل بخصوص مسألة الإرث، يضمن إمكانية العودة إلى الوصية. ومركزا على ضرورة تعليم المرأة وتمكينها اقتصاديا.