“بعدما كان التركيز فيما مضى على الأخلاق أصبح اليوم الحديث على القيم لكونها أصبحت رهانا ضمن الرهانات، فقد أصبحت القيم والمواطنة حديثا متداولا وأصبحت تستوطن كل الخطابات السياسية والاجتماعية والإعلام وقلب الباحثين في علم الاجتماع وبعض المراكز والمؤسسات التربوية باليونسكو والتقريرات كالتقرير المغربي الخمسيني المتعلق بالقيم الذي أعدته المندوبية السامية للتخطيط والشباب، فقد أصبح هناك تساؤل حول القيم ودورها ووظائفها الأساسية بالأخص عند بروز مايهدد العيش المشترك” هذا ما ماستفتحت به أستاذة علم الاجتماع ومديرة الهيئة الوطنية للتعليم لدى المجلس الأعلى للتعليم والتكوين والبحث العلمي رحمة بورقية كلمتها في إطار المحاضرات والندوات الشهرية التي تشرف عليها المدرسة الوطنية للإدارة بالرباط يوم الثلاثاء 26 ماي الجاري .
الأستاذة رحمة بورقية، عرفت ماهية القيم بكونها ما يفضله الأفراد والجماعات وما يعتبرونه الأمثل والأفضل لقيادة السلوك والجماعات، متسائلة هل يخضع المقبول منها كمعيار لتوجيه الأفعال والنشاط والسلوك وهل تتجسد في المواقف والأفعال والمؤسسات والعلاقات ولماذا الاهتمام بالقيم؟ وهل نحن أمام خزان للقيم وغيرها من الأسئلة التي أثارتها أستاذة علم الاجتماع أمام الحضور الوازن الذي جاء تقريبا من كل المدن المغربية.
تستطرد بورقية موضحة الاهتمام الأكبر اليوم بالقيم باعتبارها أحد ميكانيزمات الروابط الاجتماعية التي يوجد وراءها الوجود. مبرزة أن هناك خوف من عدم وجود هذا الرابط (القيم /المثل العليا). حيث هناك علاقة بين القيم والهوية، بين ما يميز المجتمع وهويته في مقابل الآخر، باعتبار القيم أساس الرباط الاجتماعي.
مديرة الهيئة الوطنية للتعليم لدى المجلس الأعلى للتعليم والتكوين والبحث العلمي تقول على الرغم بإمكانية القول بوجود خزان للقيم الكونية كالصدق والأخلاق والتضامن… التي تجتمع فيها جميع المجتمعات والتي فرضها المنتظم الدولي والتي أفرزت على وجه الخصوص بعد الحرب العالمية الثانية، لما كان العالم في حاجة إلى تقنين مفهوم الحرية والحقوق والديمقراطية. فالقيم لا تنتظم في خزان واحد لأن القيم تتصارع وتختلف لما لها من مصادر متعددة ومختلفة، حيث هناك مصادر خصوصية تتداخل وترتبط بالمجتمع وبتاريخه وأعرافه وتعد الحد الفاصل بين القيم الخصوصية والقيم الكونية.
وتضيف بورقية، أن القيم تنتج وغير أبدية، ذلك أن القيم المجتمعية مادة خام للاديولوجيات وتخضع للإرث التاريخي للمجتمع وأعرافه والتي تعد في وقت معين قيما في حين لاتصبح قيما في وقت لاحق، وكل كلام عن القيم يجر نحو الحكم عليها. بالانطلاق إلى مصادرها ، مصنفة القيم إلى قيم خصوصية اجتماعية صاعدة وأخرى كونية، معتبرة أن القيم ذات المصادر الدينية قيما كونية لكون الدين لايتغير في حين أن المجتمع يتغير وهو تاريخي وكل مرحلة تاريخية خاضعة للتغير.
وللاستدلال على عدم ثبات القيم وعدم أبديتها تستدل بورقية بمثال “احشومة ” التي كانت تلتصق بالمرأة والتي أصبح مقابلها اليوم مشاركة المرأة في القرارات، وأيضا طاعة الأبناء للآباء والزوجة للزوج والتي تحولت نحو قيم التفاهم. وغيرها من القيم التي أقرها التحول وتعد في خانة القيم الصاعدة كمسألة الحرية والديمقراطية بين المرأة.
وقد شبهت رحمة بورقية القيم بالمعمل الذي يعتمد مصادر عديدة منها الدين والاسرة والمدرسة والتربية ثم العالم الافتراضي والرقمي الذي أصبح يلعب دورا كبيرا في ترويج القيم، بتقليصه بين منظومات القيم بالعالم الإسلامي والأوربي… وأصبحنا أمام سوق مفتوحة للقيم كل منا يمكنه أن يشتري مايشاء من القيم الشيء الذي خلق معه توترا واضطرابا وتداخلا بين القيم وصراعا حول الهويات، وهو مايشكل الان تحديا أمام الدولة التي لها دور أساسي في حماية القيم التي يفرزها المجتمع الحديث بالرفع منها ونقلها من القيم إلى القانون، كقضية المرأة والإجهاض.
وبخصوص القيم والمواطنة تخلص الأستاذة رحمة بورقية أن قيمة المواطنة مكثفة وبكثافة لأن وراءها العديد من القيم بما فيها التي يحبل بها المجتمع المعاصر ويحملها المواطن ، وهي شعور الفرد الإرادي والواعي بتقاسم المصير وهي المجال المشترك العام والتي تقتضي من الفرد الأولوية للمصلحة العامة على الخاصة. وكلما ضعفت هذه القيم في الحياة العامة والأخلاقيات اضطربت المواطنة وبالتالي تضعف المؤسسات، حيث كلما أعزل هويتي عن باقي الأبعاد كلما كان هناك دخول في صراع مع باقي الإبعاد وهذه رهانات تحول دون ترسيخ المواطنة.
ومن ثمة على الدولة التي كانت فيما سبق مانحة وتقوم بكل شيء اتجاه المواطن والتي أصبحت تعاني من ضغط اجتماعي أن تؤسس لهذا وتناقش كيفية تجاوز التهديدات الناجمة عن تصارع القيم واضطرابها، بالتأكيد على التعاقد حول المواطنة ونقل بعض القيم من الصراع إلى القوانين وأن تلتقط مايؤسس وينقل إلى الدستور لايجاد حلول للهوية وقضايا أخرى التي تخلق أزمات كما ترى عالمة الاجتماع السوسيولوجية المغربية رحمة بورقية.
حياة البدري